صفات الله الواجبة والمستحيلة
تعد دراسة صفات الله تعالى من أعمق المواضيع التي يتناولها علماء الشريعة والفلاسفة، حيث يرتبط مفهوم صفات الله ارتباطًا وثيقًا بكينونة الله وتوحيده. في هذا المقال، سيتم تناول صفات الله الواجبة والمستحيلة، في إطار من الفهم الشرعي والعقلي، مع بيان مدى تعلق هذه الصفات بذات الله وأثرها في تكوين الصورة الصحيحة عن الله سبحانه وتعالى.
مفهوم الصفات
قبل الخوض في شرح الصفات الواجبة والمستحيلة، يجب أولاً أن نوضح مفهوم “الصفة” في الاصطلاح الديني. الصفة هي ما دل على معنى ثابت في ذات الموصوف، يترتب عليها توضيح بعض جوانب الموصوف. في سياق الحديث عن الله تعالى، فإن الصفة هي ما يعبر عن بعض خصائص الله الذاتية التي لا يمكن أن تتبدل أو تتغير. ولذا، فإن صفات الله تتنوع بين الواجبة، المستحيلة، والممكنة، حيث يعكس كل نوع منها حقيقة ثابتة في ذات الله.
الصفات الواجبة لله
الصفات الواجبة هي الصفات التي لا يمكن أن تكون غائبة عن الله سبحانه وتعالى، بل هي جزء لا يتجزأ من ذاته. ويجب أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يتصف إلا بالصفات الواجبة والمستحيلة، أما الصفات الممكنة فهي لا تليق به ولا يمكن أن تؤثر في كماله. وقد أجمعت معظم الفرق الإسلامية على أن الله تعالى يتصف بعدد من الصفات الواجبة، التي تعبر عن كماله المطلق. ومن أبرز هذه الصفات:
-
الوجود: إن الوجود صفة واجبة لله تعالى. الله سبحانه وتعالى هو الموجود بذاته، فلا يمكن أن يكون له وجود محتمل أو موقت. وجود الله ليس بمكتسب ولا مستمد من شيء آخر. هذا الوجود يتسم بالقدم، أي أنه لا بداية له ولا نهاية.
-
القدرة: قدرة الله تعالى غير محدودة ولا متناهية. فهو قادر على كل شيء، ولا شيء يعجزه في السماوات ولا في الأرض. هذه القدرة تتسم بالكمال ولا يمكن تصور عجز فيها، فهي تعني أن الله سبحانه وتعالى لا يُحاط بحدود أو قيود.
-
العلم: الله تعالى عليم بكل شيء، علمه شامل وكامل. لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. علم الله ليس محصورًا في نطاق معين أو موضوع محدود.
-
الحياة: الله حي لا يموت. الحياة التي يتصف بها الله تعالى ليست حياة محدودة ولا تحتاج إلى أسباب معينة كالغذاء أو النوم، بل هي حياة دائمة مستقلة عن أي شيء خارجي.
-
السمع والبصر: السمع والبصر من صفات الله الواجبة. سمع الله لا يشبه سمع المخلوقين، فهو سميع بذاته يسمع كل شيء دون حاجة إلى آلة أو أداة. وكذلك بصره، فهو بصر كامل لا يقتصر على المدى أو المسافة، بل يرى كل شيء في كل مكان وزمان.
-
الكلام: الله تعالى يتصف بالكلام الذي ليس ككلام المخلوقين. كلامه ليس حروفًا أو أصواتًا، بل هو كلام قائم بذاته، يعبر عن إرادته وحكمته.
-
الرحمة: رحمة الله تعالى لا حدود لها. فهو أرحم بعباده من الأم بولدها، ورحمته تشمل كل شيء في الكون، من الإنسان والحيوان إلى الجماد.
الصفات المستحيلة لله
الصفات المستحيلة هي الصفات التي لا يمكن أن يتصف بها الله سبحانه وتعالى، وهي تلك التي تتنافى مع كماله وعظمته. هذه الصفات تدل على نقص أو عجز، ولذا فإنها مستحيلة على الله. ومن أبرز الصفات المستحيلة التي لا يمكن أن تكون في الله تعالى:
-
الموت: الموت هو صفة من صفات المخلوقين، أما الله سبحانه وتعالى فهو حي لا يموت، ولذا فإن الموت مستحيل عليه. موت الله يعني انعدام وجوده، وهو أمر يتناقض مع كماله الأزلي.
-
الجهل: الجهل يتنافى مع علم الله سبحانه وتعالى. إذا كان الله عالمًا بكل شيء، فإن الجهل غير وارد في حقه. لا يمكن تصور وجود نقص في علم الله الذي يتسم بالكمال والشمول.
-
الضعف: الضعف يتنافى مع قدرة الله تعالى. لا يمكن تصور وجود ضعف أو عجز في قدرة الله، لأن قدرته لا حدود لها ولا قيود.
-
النوم: النوم هو حالة من حالات العجز والضعف التي يمر بها المخلوق، ولذا فإن الله تعالى لا ينام ولا يغفل، بل هو قائم على تدبير شؤون الخلق دائمًا.
-
التناهي: التناهي أو الحد يتنافى مع صفة اللامحدودية في الله. الله سبحانه وتعالى ليس له حد أو نهاية، بل هو أزلي أبدي لا يحده زمان ولا مكان.
-
الظلم: الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو صفة نقص في المخلوقين. الله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، إذ أن عدله كامل، ولا يمكن أن يظلم أحدًا.
-
التغير: التغير أو التبدل مستحيل في حق الله تعالى، لأن الله سبحانه وتعالى كامل في ذاته، وتمامه لا يسمح بالتغير أو التحول.
الفرق بين الصفات الواجبة والمستحيلة
تكمن الفرق الجوهري بين الصفات الواجبة والمستحيلة في أن الأولى هي صفات ثابتة لا يمكن أن تتخلف عن الله تعالى، بينما الثانية هي صفات غير لائقة ولا تليق بكمال الله. الصفات الواجبة تدل على كمال الذات الإلهية في جميع جوانبها، في حين أن الصفات المستحيلة تشير إلى صفات نقص تتنافى مع الله ولا يمكن تصورها في حقه.
عند الحديث عن الصفات الواجبة والمستحيلة، يجب أن نُدرك أن كل صفة من هذه الصفات تسهم في فهمنا الكامل لله تعالى، وهي جزء من اعتقاد المسلم في توحيد الله في أسمائه وصفاته. تندرج هذه الصفات ضمن إطار عقيدة التوحيد التي تحث على الاعتراف بأن الله سبحانه وتعالى واحد في ذاته، أسمائه، وصفاته وأفعاله.
تأثير الصفات على الإيمان بالله
إن فهم صفات الله الواجبة والمستحيلة له تأثير عميق على الإيمان بالله سبحانه وتعالى. عندما يعي المسلم هذه الصفات ويصدق بها، فإنه يعزز عقيدته في توحيد الله ويكمل فكرته عن الكمال المطلق الذي لا يشوبه نقص. هذا الفهم يقي المسلم من الوقوع في الشرك أو البدع، ويشجعه على عبادة الله الخالصة التي تتوافق مع صفاته الواجبة.
علاوة على ذلك، فإن الإيمان بهذه الصفات يؤدي إلى التقوى والورع، حيث يدرك المسلم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه لا يوجد شيء يمر على الله دون علمه. من هذا المنطلق، تنبثق عواقب عملية على المسلم، فيُعزز لديه الوعي الدائم بأن الله محيط بكل شيء وأنه لابد من تسليم إرادته له في جميع الأحوال.
الخاتمة
إن موضوع صفات الله الواجبة والمستحيلة يعد من المواضيع الجوهرية في العقيدة الإسلامية، حيث يساعد على رسم صورة واضحة عن الله سبحانه وتعالى، تتماشى مع كماله المطلق وتنزهه عن كل نقص. ففهم هذه الصفات يمنح المسلم يقينًا أكيدًا في قوة الله وعظمته، ويجعله يتوجه إليه بالعبادة والطاعة، كما يعزز فيه الإيمان الصادق والابتعاد عن كل ما يخل بتوحيد الله.
إن تأمل صفات الله تعالى ودراستها بشكل مستفيض يسهم في تقوية العلاقة بين العبد وربه، ويحفز المؤمن على السعي وراء مرضاة الله تعالى، متمسكًا بتوحيده مع استحضار عظمته وتمامه في كل لحظة من حياته.
